- لماذا تعرضت للإصابة؟
- لا أذكر أنني تعرضت لضربة أو التواء، فلماذا كتفي يؤلمني أثناء التمرين؟
- كل ما فعلته هو أنني انحنيت لأخذ منديل وفجأة تعرضت لشد مؤلم أسفل ظهري...؟
- على الرغم من اختفاء الألم والتورم، إلا أنني لا أستطيع العودة إلى نشاطاتي السابقة دون انزعاج في ركبتي! ما السبب؟
- من بعد إصابتي السابقة أصبحت أصاب بالعديد من الآلام في مناطق مختلفة دون سبب واضح...؟
عادة، كمختص، تأتيني هذه التساؤلات من قبل المراجعين، وقد يمكن العثور على إجابات لهذه التساؤلات من خلال التعمق في مفهوم مثير للاهتمام وهو "الحمل مقابل القدرة الاستيعابية" (Load vs Capacity).
للحصول على صورة أوضح، دعونا نبدأ بتعريف هذين المصطلحين المهمين:
الحمل (Load)
الحمل هو مقدار النشاط أو الضغط الذي نعرض له أجسامنا. ويشمل المتطلبات البدنية التي نضعها على أجسامنا، مثل رفع الأثقال، الجري،القفز، أو حتى الأنشطة اليومية مثل حمل الأغراض، الانحناء، أو المشي. الجلوس لفترات طويلة كما يشمل أيضًا المجهود الذهني المصاحب لهذه الأنشطة.
القدرة الاستيعابية (Capacity)
من ناحية أخرى، تشير القدرة الاستيعابية إلى قدرة النسيج أو الجسد عمومًا على تحمل الضغط والنشاطات التي يواجهها في أي لحظة. هي في الأساس الحد الذي يمكن لجسمك تحمله دون عواقب سلبية.
ولكل شخص منا قدرة استيعابية مختلفة اعتمادًا على أسباب متعددة (العمر، الجنس، الوزن، أسلوب الحياة الحركي النشط أو الخامل، العادات الغذائية، التدخين، إدارة الضغوطات... إلخ). وهذه القدرة الاستيعابية قابلة للتغير والانخفاض للظروف المحيطة بنا (قلة ساعات النوم، إصابة سابقة، ضغوطات نفسية واجتماعية، سوء العادات الغذائية... إلخ).
استجابة الجسم للحمل
إن تعريض أجسادنا للحمل (Load) بشكل مدروس يتناسب مع قدرتنا الاستيعابية الحالية (عن طريق تمارين المقاومة مثلاً) يؤدي إلى رفع قدرتنا الاستيعابية، مما يمكننا من تحمل أحمال إضافية بعد التطور.
والعكس صحيح، إن لم نتعرض للأحمال من خلال التمارين أو الأنشطة الحياتية اليومية، فهذا قد يؤدي إلى انخفاض في قدرة أجسادنا الاستيعابية.
طريقة حدوث الإصابة
وتحدث الإصابات عندما يتجاوز الحمل الذي يتعرض له النسيج أو الجسد عمومًا قدرته الاستيعابية الحالية، وقد يحدث ذلك بأحد الطريقتين الآتيتين:
1-زيادة مفرطة في الحمل:
البدء في نشاط جديد بسرعة أو لفترة أطول من المعتاد (سواء كان الجري، أو التمرين في صالة النادي، أو ركوب الدراجة، أو الجلوس المطول على المكتب لأداء مهمة معينة....إلخ) أو التعرض المفاجئ لبيئة جديدة (كرسي مكتب جديد، أو حذاء جري جديد، أو لعب مباراة كرة قدم في أرضية جديدة). حيث يكون الحمل (النشاط/التغيير) أكبر من قدرة الأنسجة، مما يؤدي إلى عدم وجود وقت كافٍ للنسيج للتكيف، وبالتالي زيادة خطر الإصابة أو الألم.
2-انخفاض في القدرة الاستيعابية للنسيج أو الجسم:
قد تؤدي بعض العوامل مثل قلة النوم، سوء التغذية، وقلة التروية، الضغوط النفسية والاجتماعية، النشاط البدني الخامل، والأمراض والإصابات السابقة إلى انخفاض قدرة الأنسجة أو الجسد عمومًا على التكيف والتعافي بعد التعرض للحمل أو المجهود المعتاد، وبالتالي زيادة خطر الإصابة أو الألم.
وللتوضيح بشكل أكبر، لنجب عن التساؤلات في بداية المقالة:
- لا أذكر أنني تعرضت لضربة أو التواء، فلماذا كتفي يؤلمني أثناء التمرين؟
بدايةً، لا يجب وجود حدث أو إصابة واضحة للتعرض للألم. ولا يعني شعورنا بالألم وجود إصابة عضلية مفصلية حقيقية دائمًا (تمزق، قطع، كدمة، التهاب... الخ). قد يكون الألم منبّهًا لنا لتعديل المجهود الموضوع على المنطقة أو المفصل المتألم.
قد يكون الانزعاج ناتجًا عن ارتفاع الحمل التدريبي بشكل غير مدروس بحيث يكون أعلى من القدرة الاستيعابية للكتف.
أو قد يكون ناتجًا عن انخفاض في القدرة الاستيعابية لأنسجة وعضلات الكتف لعدم الاهتمام بعوامل الاستشفاء العضلي بعد التمارين مثل عدم إكمال احتياج السعرات الحرارية والبروتين، قلة ساعات النوم، قلة التروية، عدم تقليل الحمل التدريبي في الجدول الرياضي بشكل مدروس (أيام الراحة، تخفيف الأحمال أو ما يُطلق عليها فترة DELOAD)، مع عدم الاهتمام بتمارين المرونة والإحماء قبل التمرين.
- كل ما فعلته هو أنني انحنيت لأخذ منديل وفجأة تعرضت لشد مؤلم أسفل ظهري...؟
في الوهلة الأولى قد يعتقد المصاب أن انحناءه لالتقاط المنديل هو سبب الإصابة، وقد يصاحب ذلك بعض الأفكار السلبية مثل أن انحناء الظهر خطير أو أنه أصبح ضعيفًا وقد لا يحتمل الحركات الأساسية الآن.
لكن هنا يجب أن نتذكر أن الألم أو الإصابة تكون ناتجة عن زيادة الحمل على قدرة عضلات وأنسجة الظهر الاستيعابية. ومن غير المرجح أن حركة الانحناء أو وزن المنديل قد يؤدي إلى ذلك.
هنا لم يكن الحمل مفاجئًا في القوة أو السرعة، بل متراكمًا لفترة طويلة إلى أن وصل جسد المصاب إلى حدوده. وبمجرد انحنائه في تلك اللحظة، تعرض للشد المفاجئ. ويمكن فهم أن مجرد انحناء المصاب لم يكن سبب الإصابة، بل يمكن تشبيهه بالقشة التي قسمت ظهر البعير.
فقد يكون الحمل المتراكم ناجمًا عن جلوس مكتبي مطول لإنجاز عمل أو دراسة اختبارات أو عمل إضافي كحصص إضافية لمدرس أو عدد مرضى أكبر لممرضة أو زيادة حمل التمارين المفاجئ للاستعداد لبطولة رياضية.
وطبعا إن صاحب الحمل المتراكم بعض العادات التي تقلل من القدرة الاستيعابية للجسد مثل قلة ساعات النوم، الضغوط النفسية والاجتماعية، الإصابات السابقة، فهذا قد يؤدي إلى سرعة الوصول للحظة الإصابة (الانحناء لالتقاط المنديل).
- على الرغم من اختفاء الألم والتورم بعد إصابة ركبتي، إلا أنني لا أستطيع العودة إلى نشاطاتي السابقة دون انزعاج في ركبتي! ما السبب؟
عند تعرضنا لالتواء أو ضربة في نسيج أو مفصل كالركبة مثلًا، ينتج عن ذلك أعراض المرحلة الحادة للإصابة (الألم، التورم، الاحمرار، الحرارة). وعادة ما تختفي هذه الأعراض في مدة تتراوح من 3 أيام إلى 14 يومًا حسب شدة الإصابة. ونعتقد خطأً أنه بمجرد انتهاء هذه الأعراض أننا جاهزون للعودة لممارسة نشاطاتنا المعتادة بنفس الكفاءة، دون أن ندري أنه نتج عن الإصابة أمور أخرى مثل تثبيط وضعف العضلات، نقص المرونة والمدى الحركي، اختلال في التوازن والثبات، مما يؤدي إلى نقص حاد في القدرة الاستيعابية لأنسجة ومفصل الركبة، خصوصًا لو صاحب فترة الإصابة خمول وعدم القيام بأي أنشطة جسدية.
فيفاجئ المصاب أنه لم يعد يقدر على المشي للفترات المعتادة قبل الإصابة أو أنه لم يعد يستطيع ممارسة رياضته المفضلة بالمستوى والكفاءة المعتادة دون أعراض مزعجة في الركبة، وقد تمتد إلى عضلات ومفاصل أخرى.
وقد يؤدي ذلك إلى دخول المصاب في دوامة محيرة لاعتقاده عدم استشفاءه من الإصابة السابقة أو عدم مقدرة أي مختص من إيجاد تشخيص صحيح له، بينما في الواقع المشكلة تكمن في الانخفاض الحاد في القدرة الاستيعابية بعد الإصابة.
الحلـــــول
الحل هنا من شقين
تقبل حدودك:
مراعاة حدودك بعد الإصابة وتقليل الحمل عليها بما يتناسب مع قدرتك الحالية (مؤقتًا). فلو كان العمل المنزلي أو المهام الوظيفية تهيج الأعراض بعد مرور ساعة متواصلة من العمل، فيمكن إضافة فترات راحة أثناء عملك. وإن كان تمرينك في النادي مزعجًا، فيمكن عمل بعض التعديلات المؤقتة مثل تقليل المدى الحركي أو تخفيف الوزن أو تعديل التكنيك الخاص بالتمرين بما يتناسب مع قدرتك الاستيعابية الحالية.
ارفع كفاءتك:
الشق الثاني هو رفع قدرتك الاستيعابية عن طريق التأهيل الذي يتضمن تمارين مقاومة وتمارين علاجية بشكل مدروس ويتناسب مع هدف المصاب. فتأهيل شخص يهدف إلى ممارسة الأنشطة الحياتية المعتادة مثل التسوق والذهاب إلى العمل والجلوس مع العائلة يختلف عن تأهيل شخص يسعى لممارسة رياضة غير تنافسية مثل تمارين المقاومة في النادي أو الجري أو السباحة، كما يختلف عن شخص يود العودة لممارسة الرياضات التنافسية (كرة القدم، البادل، كرة السلة... إلخ).
بالإضافة إلى الإهتمام بعوامل الاستشفاء:
- مدة النوم وجودته.
- اكمال احتياجك من التروية والتغذية.
- ادارة الضغوطات النفسية والاجتماعية.
في الختام
فإن فهمنا لمفهوم "الحمل مقابل القدرة الاستيعابية" يمكن أن يكون له تأثير كبير في كيفية تعاملنا مع الإصابات والآلام التي قد تصيب الجهاز العضلي الهيكلي. من خلال هذا الفهم، نصبح أكثر قدرة على تفسير أسباب الإصابات بشكل دقيق وفعّال، مما يعزز من قدرتنا على الوقاية منها والتعامل معها بصورة أفضل. كما أن اتباع منهج مدروس لتحميل أجسامنا بما يتناسب مع قدرتها الاستيعابية، والعمل على تحسين هذه القدرة تدريجيًا، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليل معدلات الإصابات ويساعدنا على العودة بشكل أسرع وأكثر أمانًا إلى نشاطاتنا اليومية والرياضية.
مهند الشهري
أخصائي علاج طبيعي
- في حال رغبتك للمعرفة أكثر عن إصابتك فيمكن التواصل مع أحد أعضاء الفريق من هنا .
- و يمكنك معرفة المزيد عن الإصابة و الألم في محاضرة أ.عبدالله هرساني من هنا الإضافة إلى دورة الإرهاق وعلاقته بالألم المزمن و الاستشفاء للكتور علي العطار من هنا .
- كما يمكنك الاطلاع على برامج التأهيل في المنصة من هنا.